باب العامود هو من ابرز نماذج عمارة القرن العاشر/ السادس عشر ليس فقط في القدس بل في عموم مدن فلسطين. وفي الواقع انه أجمل الأبواب في سور القدس وأكثرها ثراء من ناحية معمارية وزخرفية، علاوة على حجمه ومساحته الكبيرة.
موقع الباب
يقع باب العامود في الجدار الشمالي لسور البلدة القديمة عند بداية انحدار الوادي المركزي، الذي يقطع البلدة القديمة من الشمال إلى الجنوب، والذي يعرف حاليا عند أهل القدس باسم الواد. وعرفت هذه الطريق في العصر المملوكي والعثماني بالشارع السلطاني وطريق وادي الطواحين، وبالشارع الأعظم.
أسماء الباب
أطلق على باب العامود عدة أسماء عبر العصور التاريخية، كباب نابلس، وباب دمشق، وباب القديس اسطفان1. والتسمية الاولى هي الاشهر وهي صدى لعمود كان قائما في ساحة الباب الداخلية، يستقبل زوار المدينة وفوق هذا العمود كان تمثال للامبراطور هادريان جريا على التقليد الذي كان سائدا في تزين المدن الاغريقية والرومانية بتماثيل تخص الحكام والالهة الوثنية.
اقسام الباب
يتكون باب العمود من قسمين، سفلى وعلوي، والسفلى من بناء هادريان(117-138 م.) في عام 135 عندما أعاد بناء مدينة القدس وسماها إيليا كابيتولينا Aelia Capitolina وكان الباب عبارة عن مدخل تذكاري فخم تكون من ثلاثة عقود. والعقد النصف الدائري الذي كشفت عنه الحفريات، والذي يشاهد الآن، إلى الشرق قليلا أسفل الباب العثماني. وأما القسم العلوي فهو عثماني البناء والطراز.
تخطيط الباب
وروعي في تخطيط الباب أن يكون منكسرا وبزاوية قائمة تحقيقا لمبدأ عام في عمارة العصور الوسطى العسكرية يهدف إلى إعاقة وكشف المهاجمين في حال تمكنهم من اقتحام بوابة السور الرئيسة. ويلمس هذا الانكسار حال الدخول مباشرة، حيث يتوجب السير شرقا (يسار الداخل) بدلا من الاستمرار الى الامام باتجاه الجنوب.
باب العامود 1865
وصف الباب معماريا
واجهة باب العامود الشمالية ضخمة تمتد ما يقرب من 41.85 مترا، وترتفع بمقدار 16.80م حتى بداية شرفات السور العلوية. وتتكون الواجهة الشمالية من برجين كبيرين يحدان دخلة يبلغ طولها 19.95م، وتتراجع هذه الدخلة من جهتي الغرب والشرق، و يتوسطها فتحة باب الدخول. ويبلغ تراجع الدخلة من جهة الغرب 6.15 م. في حين يبلغ تراجعها في جهة الشرق حوالي 6.27 م. وكلا التراجعين على زاوية منفرجة مقدارها 110 درجة.
ويعلو فتحة باب العمود عتب حجري، ويقوم فوق العتب مباشرة عقد مستقيم يدعم لوحة حجرية تأسيسة مستطيلة تبلغ مقاساتها 1.80 × 60 م، نقش بها سطران من الكتابة البارزة بخط النسخ العثماني. ونص الكتابة:
« أمر بإنشاء هذ[ا] السور المبارك مولانا السلطان الأعظم والخاقان المكرم سلطان الروم والعرب والعجم [… سلـ]ـيم خان خلد الله ملكه وسـ[ـلطانه في سنة أربع وأربعين وتسعمائة].
ويتوج هذا المدخل عقد مدبب يزينه صفان من حلية نباتية قوامها ورقة خماسية البتلات ويؤطر العقد شريط من نخيلات متراصة ويحيط بعقد المدخل مجموعة فريدة من الدوائر الحجرية (دسك) ذات زخارف نباتية وهندسية، وبعضها غفل من الزخرفة. وبين هذه الدوائر الحجرية فتحت مجموعة من المزاغل لرمي السهام والبارود ولإتاحة الفرصة لمراقبة الخارج. ونظمت سقاطات ما بين عقد الباب وصدره، تسمح بإلقاء المواد التي تعمل على إعاقة الاقتحام وتلحق الضرر بالمهاجمين. ويمكن مشاهدة هذه السقاطات إذا ما توقف المرء لبرهة عند اسفل عتب المدخل ونظر إلى الأعلى. وعلى ارتفاع مدماكين من مفتاح عقد المدخل نظمت نافذة مستطيلة، تسمح بإطلالة واسعة لمن يقف على سطح دركاة المدخل وهذه الاطلالة تستخدم اليوم من قبل جنود الاحتلال لمراقبة ومضايقة سكان المدينة وزوارها.
باب العامود عام 1905
مهندس الباب
لقد ذاع بين بعض المهتمين ان سنان، المهندس الموهوب للسلطان سليمان القانوني واشهر مهندسي الباب العالي في استانبول في القرن العاشر/ السادس عشر، هو من صمم باب العمود. ولقد بحث كاتب هذه السطور هذا الأمر بالتفصيل وتوصل إلى ان سنان لم يساهم في تطور القدس المعماري ولا في بناء باب العمود، والى ان مصمم باب العمود هو على الارجح المعلم درويش الحلبي، وهو معماري ينتمي إلى مدينة حلب في الشام، قدم للقدس واستقر بها، وهذا الترجيح استند على ثلاثة أركان: عناصر الزخرفة، والمعلومات المحفوظة في سجل محكمة القدس الشرعية والتصميم المعماري. اما الاشراف الاداري والمالي فقد اسند الى محمد شلبي النقاش، الذي لقب بسجلات محكمة القدس الشرعية مررا وتكرارا بأنه الأمين على الأموال السلطانية والأمين على سور القدس. ونعرف اليوم ان الأموال لم ترسل مباشرة من استانبول بقدر ما حولت من الشام ومن مدن فلسطينية كنابلس والرملة.
بعد تأمل باب العمود والتعرف على نسيجه المعماري والزخرفي، يسير الزائر باتجاه الشرق الى باب الساهرة، محاذيا للسور ما امكن، ولتتاح له فرصة متابعة طبوغرافية الارض المحيطة بالسور، حيث يصبح ارتفاع السور بسيطاُ لا يتجاوز بضعة امتار، وبعد السير عدة امتار يشاهد مدخل مغارة الكتان “مغارة سليمان”، ويستمر في السير متأملا احجار السور المنوعة والمختلفة الاحجام حتى يصل الى باب الساهرة.
باب العامود - مدخل السوق ، القدس - فلسطين 1900م
اقرأ أيضا:
No comments:
Post a Comment